نافذة

إضاءات بزمن معتم Print

في زمن ضياع القيم وتفشي الظلم والموت وانتشار كل انواع الجرائم بالعالم كالاتجار

بأعضاء البشر والخيانات الوطنية وتسلط الحكام واستئثار واستبداد أثرياء العالم بقوت

الفقير ،وتهجير الشعوب بالحروب الداخلية أو الخارجية وتجبر طغاة الدكتاتورية في

بلدان عديدة بالعالم ، والبحث عن الخبز والسلام عبر البحار والغرق في لجج العتمة ،

تبرز لنا المناضلة مريم نجمة بكتاب جديد بعنوان:

( إضاءات على الأنجيل - العهد الجديد)

صدر عن دار الدراويش للنشر والترجمة- المانيا. .
الكاتبة مناضلة سورية ذات تاريخ طويل بالعطاء يمتد لأكثر من نصف قرن من الزمن

حيث خاضت صراعات ضد الظلم والدكتاتورية وتحدت الكثير من العوائق وتظاهرت

ضد الاستعمار الفرنسي حينما كانت سوريا بلدا محتلا، وتصدرت المؤتمرات الانسانية

منذ شبابها الأول مع رفيق دربها الراحل المحامي اليساري والقيادي الشيوعي جريس

الهامس، وفي مقدمة الكتاب تقول السيدة مريم نجمة:
"بأن مادفعها لكتابة الكتاب هو خلفيتها الماركسية اللينينية التي أعطتها القدرة على

تحليل البعد الطبقي والتأريخي الجغرافي الاجتماعي الثقافي والاقتصادي الخ".
وهنا تفتح بهذه الصراحة فوهات النار ممن لايتعمق بمفهوم الشعور الانساني النبيل،

ممن يعتقد أن الدين وحده هو الذي يصلح البشرية ويعتقد أن الماركسية خروج على

الفكر الانساني الذي جاء به الدين والتي أرادت الكاتبة بكل جرأة أن تقول انني لن

أتخلى عن ديني ولن أتخلى عن أفكاري الماركسية التي علمتني الكثير انسانيا

وساندت ماتعلمته في بيت أهلي الذي طغى عليه الدين المسيحي وطقوسه،

حيث السماحة، والعفو ، والانفتاح على الاخر والقناعة بخبزنا كفافنا، والمحبة للجميع

ثلجا يغسل القلوب وينقيها..
لقد تناولت الكاتبة مقاطع من الكتاب المقدس لتفرد لكل حكمة أو قول مقدس فصلا

في كتابها، تناقشه وتربطه بالواقع الانساني، وتقربه من الفكر الذي آمنت به إذ

لاتناقض بين الأفكار الانسانية إن كانت كنصوص دينية أم نصوص فلسفية أرضية

حينما يتعلق الأمر بحياة الانسان وتعايشه على هذه الأرض، فالمحبة أم الجميع. 
(من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ).. السيد المسيح( ع). هنا ناقش الكتاب

قضية المرأة والموقف منها، ونظرة لواقعنا العربي اليوم نرى كم هناك من قتل على

الشبهات للبريئات من النساء وهنا تسرد السيدة مريم فصلاً مهما في الكتاب،

والدافع الأول هو أن الكاتبة حينما شعرت بأن العالم يسير بخطى عرجاء ولم يحفظ

ماجاء بالأديان من محبة وعطاء وسمو أخلاق، اضافة الى أنه قد حادَ عن درب

الاشتراكية والماركسية في أخلاقه وباتت الأحقاد والصراعات عنوان زماننا البائس هذا، كتبت كتابها هذا وهو محاولة لإحياء القيم التي اندثرت والروح التي هاجرت بعيدا عن الأخلاق القويمة، و منها عدم الوقوف مع المظلوم، والفقير ،والغريب، والمقهور، والمخطئ، فتمثلت

هنا بأقوال السيد المسيح ( ع) والتي لم تزل رغم آلاف السنين تهدي البشر ليستقيموا ..
قال المفكر الفرنسي ميشيل فوكو : ( الثقافة تصلح ما افسدته السياسة ) ..
حقا انه قول نحتاجه اليوم حيث طغت السياسة على العالم وسحبت وراءها كل

الثقافة من أدب وفنون وسيّستها لا لصالح الطبقات المسحوقة إنما لصالح الحكومات

والدكتاتوريات والمستعمرين الطغاة، وهذا هو المؤلم عندما نجد أن المثقف يوظف قلمه

لأصحاب المال والسلطة الذين تسيدوا على الهيئات والتنظيمات الثقافية والمهرجانات

والجوائز وبات أغلب المثقفين يتقربون اليهم ويطلبون ودهم ويصبحون عبيدا للأصنام

البشرية، انه أمر يؤدي الى هلاك مجتمعاتنا وتردي أوضاعنا في كل المجالات فالثقافة

مقياس للتطور البشري وكلما ازداد اعداد المثقفين وانتشر الوعي الحر ازداد التطور الاجتماعي ونمت القيم ونما عطاء الأجيال لبناء الأوطان أحسن بناء، فبالثقافة والعلم تُبنى الحضارات.. 
إن الكلمة الحرة الواقعية الشجاعة هي التي تصل الى عقول الناس سريعا، فتستفزهم

للنقاش وخلق الأجواء الثقافية والعودة الى الكتب المهمة للاستزادة ، من هنا جاءت أهمية

كتاب السيدة مريم الذي كان واقعيا وجريئا وجاء تذكرةً لثبات القيم الانسانية النبيلة

التي انطلقت قبل آلاف الأعوام ومازلنا، رغم كل المتغيرات الاجتماعية، نحتاجها ونربي

أبناءنا عليها كالصدق والأمانة والتضحية من أجل المظلوم والمحبة بين البشر .. الخ

من كل المبادئ الانسانية العامة . 
هكذا كانت الأهداف النبيلة لهذا الكتاب وهذا هو الرد لكل من يرى بأن الكتاب جاء

متناقضا وغير واضح الرؤية أو أن به ازدواجية بسبب من الاعتراف النبيل الذي طرحته

السيدة مريم نجمة في مقدمة الكتاب ..
أحيي السيدة الأخت المناضلة والمربية الفاضلة مريم نجمة على إصدارها هذا وشكرا

لها إذ كان لي شرف الحصول على نسخته الاولى . 
أحيي كل من يكون واقعيا وجريئا في كتاباته للنهوض بالقيم التي باتت تتدثر بالعالم

ويلفها سواد النفاق والزيف والمراوغة والصمت عن الحقائق والحق لصالح الخوف على

مصالح الحياة ومطامعها ..
12-12-2023