نافذة

عن رواية الأوان كتب الأديب احمد الجنديل Print
الورشة النقدية لثقافة الزوراء تقدم :
الواقع المهزوم والبطل المأزوم في رواية الأوان للشاعرة والروائية العراقية بلقيس حميد حسن .
الزوراء / خاص
توصيف الرواية :
متواليات سردية مشحونة بمنلوجات ساخنة ، وشخصية مأزومة مهشمة تدعى (  سالم باقي يحيى ) تمسك دفة الاحداث وتديرها وفق هواجسها الخارجة من رحم التقريع وجلد الذات والخيبة والاحباط .
البناء الروائي مزيج من اليقظة والحلم ، من دمج العقلاني باللاعقلاني ، من النبوءات التي قد تحصل بالواقع المأساوي المعاش في اطار تشابك المنظومة اللغوية بالمنظومة الدلالية واستخدام العدسات المختلفة في تصوير المشاهد .
رواية ( الأوان ) ليست رواية سيرة ذاتية وليست رواية مذكرات أو يوميات ، أو أحداث طارئة في سلم التعالق والتراتب ، هي رواية تحمل بعدا فلسفيا مفاده : ( لا فائدة من تحقيق الامنيات بعد فوات الاوان ) ص8 .
في رواية ( الاوان ) صراع داخلي لشخصية ( سالم باقي يحيى ) وصراع خارجي بينه وبين عالمه الخارجي ( عندما ولدت ، كانت ولادة أمي عسيرة جدا ، وقد أضفت لوجعها بعد ذلك قهرا جديدا هو عاهتي فقد كنت أخرس ) ص13 ، هذا الصراع بشقيْه الداخلي والخارجي رسم خريطة الاحداث الدرامية وانتشر تأثيره على البناء الروائي الشامل وكشف بوضوح عن الابعاد النفسية لشخصية البطل الراوي ،  وهذا الصراع لا يدخل من باب المناجاة مع النفس وانما وصل الينا  عبر ثورة عارمة تعتمل في شخصية الراوي العليم بمجريات الامور ما ظهر منها وما بطن ، مع ذكر ادق التفاصيل المحملة بالشحنة النفسية ذات الايقاع السريع لجزئيات الاحداث .
وفي رواية ( الأوان ) يأخذ المنلوج الداخلي مساريْن ، الاول يعتمد على استرجاع احداث الماضي وفق تقنية الفلاش باك ، والثاني يستعين بالماضي لغرض تفكيك الشخصية المحورية وكشف خلجاتها الداخلية وزجها الى ميدان التحليل النفسي لغرض خلق انماط من الصراع الداخلي والخارجي للرواية .
الروائية بلقيس حميد استطاعت بمهارة عالية من توظيف الموروث في اللعبة الروائية من أجل خلق اصطدام مع الوضع الاجتماعي والسياسي الراهن ، واذا كان المعيار الجمالي في الاعمال الروائية يكمن في تحقيق النسق النظامي لعناصر الرواية وخصائصها عند بعض النقاد الا ان الكاتبة عبثت بهذا النسق التقليدي لتخلق معيارا جماليا قائما على تمزيق بنية الحدث الروائي الدال ومنح القارئ فرصة لإعادة ترتيبه من جديد .
المكان في الرواية حاضر بقوة في مخيلة الكاتبة وخيال القارئ وليس في العالم الخارجي كخلفية تعرض عليها احداث الرواية ، وقد ساهم الاسلوب السردي الى تأجيجه واثارته وتحويله الى شبكة من العلاقات بين عناصر ومكونات الرواية فخرج من وظيفته التقليدية الى فضاء يتسع لكل الاحداث والشخصيات الروائية .
واذا كان البعض يؤكد على ان الرواية فن زمني ، وان الزمن الروائي يمتلك قدرة التعبير على المواجهة الفعلية للإنسان تجاه الحياة فإننا نؤكد هنا بأنّ رواية الأوان هي رواية زمنية بامتياز ، رواية ألغت التسلسل الزمني السائد في الرواية التقليدية ، وتجاوزت حدود البناء القائم على السببية ، واعتمدت على البناء الزمني المتشظي حيث يتشابك زمن الحكاية مع زمن الخطاب مما يجعلها تدخل الى عالم الفنتازيا ، وقدرتها على لملمة الخيوط السائبة للأحداث والشخصيات على حد سواء .
في رواية الأوان لا أهمية لمسك الخيط الزمني ، ينقطع خيط الحاضر ليحل محله الماضي وفق تقنية الاسترجاع والاستباق ، وتسريع السرد وفق مفهوم فن الحذف ، أو الابطاء في اللازمة السردية وفق مفهوم الاطالة لغرض تحقيق الوظائف الجمالية والدلالية للنص الروائي .
لقد مارست الروائية بلقيس حميد طريقة الأسلوب التناوبي في عرض الاحداث ، ومنحت الحرية لبطل روايتها ( سالم باقي يحيى ) ممارسة السرد المتقطع انسجاما مع طبيعة الانكسار والمباهاة التي يعيشها ، واتباع الاسلوب السردي المنفلت من تسلسله الزمني والذي يمثل التعبير عن مشاعره الداخلية رغم تمظهره بالأحداث الواقعية .
لقد تميزت الرواية بصيغة التركيب في الأساليب الجمالية ، وظهر واضحا الاسلوب البلاغي الذي تميزت به المنظومة اللغوية للرواية .
ان وضوح الاسلوب البلاغي وضخ الدماء الساخنة في عروقه يعود الى عامليْن : الاول ان الروائية بلقيس حميد مارست كتابة الشعر واشتهرت به منذ زمن بعيد ، وصدر لها العديد من الدواوين الشعرية ( ديوانها الاول / اغتراب الطائر / عام 1996 ) اضافة الى قدرتها على كتابة المقال بمهارة عالية ، والعامل الثاني ان الأدبية بلقيس تحمل على ظهرها تجربة حياتية كبيرة امتزج العسل فيها بالعلقم ، اضافة الى ذاكرتها المتقدة ، والتصاقها بجذورها ( من حيث المكان والزمان ) ، والحنين الى عالم طفولتها ، وحساسيتها تجاه ما يحدث ، ونرجسيتها كشاعرة مرهفة الحس ، تظافرت هذه العوامل فأنتجت الرحم الخصب الولود ، والقلم المترع بصنوف العافية .
بعد هذا الوصف الموجز لعناصر رواية الأوان ، لابد من الذهاب الى النص الروائي ، نتوغل فيه قليلا ، نتعرف على خصائصه بطريقتي الاستنتاج والاستنباط لغرض توضيح القواسم المشتركة بين الوصف الموجز للنص وبين ما تضمنته مجرّات النص وما رافق الاطار والمضمون من دلالات .
الواقع المهزوم والبطل المأزوم :
بداية لابد من التأكيد ان الثيمة الاساسية للرواية كانت تتمحور حول ( الأم ) باعتبارها ينبوع المحبة والتضحية والايثار ، حيث احتل هذا الموضوع كل المتواليات السردية للرواية من باب التصريح او من باب التلميح ، وهذا الامر لا يحتاج الى لياقة ذهنية عالية لاكتشافه ، فهناك دلالة واضحة في الاهداء : ( الى روح أمي نعيمة احمد البحراني ... ) ص5 وهناك استشهاد لقول جان جاك روسو وآخر لنجيب محفوظ  ص 7 ، وجميعها تقود الى مصدر الوفاء والنقاء والعطاء التي تتمتع بها الام ، بينما تختلف النظرة عند الراوي ( سالم باقي يحيى ) حيث اتسمت علاقته مع أمه بالعقوق والغدر ونكران جميلها وحرصها عليه بفعل تأثير زوجته ، ومن هذه العتبة نشأ الصراع وتوسع مداه بعد موت الام واكتشاف ( سالم باقي يحيى ) لخطورة اللعبة التي كانت زوجته تمارسها معه ، وحالة الغفلة التي اوقعته تحت تأثيرها .
لقد انتقت الروائية بلقيس لروايتها بطلا يحمل فعلا ( تهويليا ) قوامه عدوانية رافقته منذ طفولته بسبب عاهة الخرس التي اصابته منذ خروجه الى الدنيا وتأثير هذه العدوانية التي رافقتها نرجسية مكشوفة على امتداد أحداث وفصول الرواية : ( لكن عندما ترمى الكرة بعيدا ، أركض كالسهم لها التقطها وأدخل بيتنا لأمزقها بسكين المطبخ ) ص13 ( هكذا أنا منذ الطفولة أفكر بالخلاص من الناس لارتاح منهم ) ص16 . ( صوت الحجارة التي تلقيتها في طفولتي لم تتوقف عن الدوي في أذني وتدفعني الى المزيد من الشر ) ص31 .
هذه العدوانية نراها في الكثير من الجمل والاحداث ترافقها حالات أخرى ( سيمانتيكية ) يمكن معرفتها بوضوح من خلال دوران ( سالم باقي يحيى ) في فلك الاحداث ، ومعرفة النزعة الداخلية للبطل والتي تستند على ( عدوانية بسبب طفولته واصابته بالخرس ، رغبة مقموعة يحاول التخلص منها ، نرجسية عالية رغم كل حالات الخيبة والاحباط ) . ( أنا لم أكتب هذا بمذكراتي اعترافا كالمجرمين ، أبدا ، انما هو تفوقي عليكم.. .. ) ص32 . ( نعم كنت أذكى من الجميع وما زلت ) ص 33 . ( حلمت أن أكون ذا شأن وشهرة ) ص11 .
هذا الشعور الطافح بالتمزق يرافقه شعور آخر قائم على التقريد والندم وجلد الذات في جولاته عن البحث عن ابنته ( التي أضاعتني وأضعتها وكما أضعت أمي من قبل ) ص 63 . ( طردت امي التي ليس لها أحد في العالم سواي ) ص49 . ( أعترف انني كنت نذلا وحقيرا فقد قتلت أمي قهرا ) ص41 .
هذا الخطاب وضعنا أمام روائية متنوعة في اسلوبها وقدرتها على البناء ، تحيك حبكة روايتها بعيدا عن أشكال الرخاوة والترهل ، وزرعت خطافات التشويق على جسد الرواية ، واستخدامها للموروث الذي أرادت له الخروج من تسلسله الزمني مما خلق رغبة اضافية في المتابعة وصولا الى الخاتمة ، فقد انبثق الموروث ضمن الخطاب في البداية . ( كان ياما كان وسالف العصر والاوان ) ص66 وبدأت حكاية علي صديق ابن الملك ، بعدها انقطع زمن المتابعة ليعود لنا في الصفحة 77 : ( ومنذ ذلك اليوم ، أصبح لعلي أعداء كثر في القصر والمدينة ) ويختفي زمن الحكاية من جديد ليعود الينا في الصفحة 91 ( في كل يوم وفي كل وقت قبل زفاف الامير ) وينقطع بعدها الخيط الزمني ليظهر لنا فجأة في الصفحة 149 : ( فبعد حيرة الشاب علي وحزنه صمم انقاذ صديقه الامير ) .
في الرواية الكثير من حالات التعالق والتقاطب والتجاور ، وفي الرواية الكثير من الانساق المضمرة تحتاج الى دراسة سنقوم بها مستقبلا ان شاء
الواقع المهزوم والبطل المأزوم في رواية الأوان للشاعرة والروائية العراقية بلقيس حميد حسن .
أحمد الجنديل
توصيف الرواية :
متواليات سردية مشحونة بمنلوجات ساخنة ، وشخصية مأزومة مهشمة تدعى (  سالم باقي يحيى ) تمسك دفة الاحداث وتديرها وفق هواجسها الخارجة من رحم التقريع وجلد الذات والخيبة والاحباط .
البناء الروائي مزيج من اليقظة والحلم ، من دمج العقلاني باللاعقلاني ، من النبوءات التي قد تحصل بالواقع المأساوي المعاش في اطار تشابك المنظومة اللغوية بالمنظومة الدلالية واستخدام العدسات المختلفة في تصوير المشاهد .
رواية ( الأوان ) ليست رواية سيرة ذاتية وليست رواية مذكرات أو يوميات ، أو أحداث طارئة في سلم التعالق والتراتب ، هي رواية تحمل بعدا فلسفيا مفاده : ( لا فائدة من تحقيق الامنيات بعد فوات الاوان ) ص8 .
في رواية ( الاوان ) صراع داخلي لشخصية ( سالم باقي يحيى ) وصراع خارجي بينه وبين عالمه الخارجي ( عندما ولدت ، كانت ولادة أمي عسيرة جدا ، وقد أضفت لوجعها بعد ذلك قهرا جديدا هو عاهتي فقد كنت أخرس ) ص13 ، هذا الصراع بشقيْه الداخلي والخارجي رسم خريطة الاحداث الدرامية وانتشر تأثيره على البناء الروائي الشامل وكشف بوضوح عن الابعاد النفسية لشخصية البطل الراوي ،  وهذا الصراع لا يدخل من باب المناجاة مع النفس وانما وصل الينا  عبر ثورة عارمة تعتمل في شخصية الراوي العليم بمجريات الامور ما ظهر منها وما بطن ، مع ذكر ادق التفاصيل المحملة بالشحنة النفسية ذات الايقاع السريع لجزئيات الاحداث .
وفي رواية ( الأوان ) يأخذ المنلوج الداخلي مساريْن ، الاول يعتمد على استرجاع احداث الماضي وفق تقنية الفلاش باك ، والثاني يستعين بالماضي لغرض تفكيك الشخصية المحورية وكشف خلجاتها الداخلية وزجها الى ميدان التحليل النفسي لغرض خلق انماط من الصراع الداخلي والخارجي للرواية .
الروائية بلقيس حميد استطاعت بمهارة عالية من توظيف الموروث في اللعبة الروائية من أجل خلق اصطدام مع الوضع الاجتماعي والسياسي الراهن ، واذا كان المعيار الجمالي في الاعمال الروائية يكمن في تحقيق النسق النظامي لعناصر الرواية وخصائصها عند بعض النقاد الا ان الكاتبة عبثت بهذا النسق التقليدي لتخلق معيارا جماليا قائما على تمزيق بنية الحدث الروائي الدال ومنح القارئ فرصة لإعادة ترتيبه من جديد .
المكان في الرواية حاضر بقوة في مخيلة الكاتبة وخيال القارئ وليس في العالم الخارجي كخلفية تعرض عليها احداث الرواية ، وقد ساهم الاسلوب السردي الى تأجيجه واثارته وتحويله الى شبكة من العلاقات بين عناصر ومكونات الرواية فخرج من وظيفته التقليدية الى فضاء يتسع لكل الاحداث والشخصيات الروائية .
واذا كان البعض يؤكد على ان الرواية فن زمني ، وان الزمن الروائي يمتلك قدرة التعبير على المواجهة الفعلية للإنسان تجاه الحياة فإننا نؤكد هنا بأنّ رواية الأوان هي رواية زمنية بامتياز ، رواية ألغت التسلسل الزمني السائد في الرواية التقليدية ، وتجاوزت حدود البناء القائم على السببية ، واعتمدت على البناء الزمني المتشظي حيث يتشابك زمن الحكاية مع زمن الخطاب مما يجعلها تدخل الى عالم الفنتازيا ، وقدرتها على لملمة الخيوط السائبة للأحداث والشخصيات على حد سواء .
في رواية الأوان لا أهمية لمسك الخيط الزمني ، ينقطع خيط الحاضر ليحل محله الماضي وفق تقنية الاسترجاع والاستباق ، وتسريع السرد وفق مفهوم فن الحذف ، أو الابطاء في اللازمة السردية وفق مفهوم الاطالة لغرض تحقيق الوظائف الجمالية والدلالية للنص الروائي .
لقد مارست الروائية بلقيس حميد طريقة الأسلوب التناوبي في عرض الاحداث ، ومنحت الحرية لبطل روايتها ( سالم باقي يحيى ) ممارسة السرد المتقطع انسجاما مع طبيعة الانكسار والمباهاة التي يعيشها ، واتباع الاسلوب السردي المنفلت من تسلسله الزمني والذي يمثل التعبير عن مشاعره الداخلية رغم تمظهره بالأحداث الواقعية .
لقد تميزت الرواية بصيغة التركيب في الأساليب الجمالية ، وظهر واضحا الاسلوب البلاغي الذي تميزت به المنظومة اللغوية للرواية .
ان وضوح الاسلوب البلاغي وضخ الدماء الساخنة في عروقه يعود الى عامليْن : الاول ان الروائية بلقيس حميد مارست كتابة الشعر واشتهرت به منذ زمن بعيد ، وصدر لها العديد من الدواوين الشعرية ( ديوانها الاول / اغتراب الطائر / عام 1996 ) اضافة الى قدرتها على كتابة المقال بمهارة عالية ، والعامل الثاني ان الأدبية بلقيس تحمل على ظهرها تجربة حياتية كبيرة امتزج العسل فيها بالعلقم ، اضافة الى ذاكرتها المتقدة ، والتصاقها بجذورها ( من حيث المكان والزمان ) ، والحنين الى عالم طفولتها ، وحساسيتها تجاه ما يحدث ، ونرجسيتها كشاعرة مرهفة الحس ، تظافرت هذه العوامل فأنتجت الرحم الخصب الولود ، والقلم المترع بصنوف العافية .
بعد هذا الوصف الموجز لعناصر رواية الأوان ، لابد من الذهاب الى النص الروائي ، نتوغل فيه قليلا ، نتعرف على خصائصه بطريقتي الاستنتاج والاستنباط لغرض توضيح القواسم المشتركة بين الوصف الموجز للنص وبين ما تضمنته مجرّات النص وما رافق الاطار والمضمون من دلالات .
الواقع المهزوم والبطل المأزوم :
بداية لابد من التأكيد ان الثيمة الاساسية للرواية كانت تتمحور حول ( الأم ) باعتبارها ينبوع المحبة والتضحية والايثار ، حيث احتل هذا الموضوع كل المتواليات السردية للرواية من باب التصريح او من باب التلميح ، وهذا الامر لا يحتاج الى لياقة ذهنية عالية لاكتشافه ، فهناك دلالة واضحة في الاهداء : ( الى روح أمي نعيمة احمد البحراني ... ) ص5 وهناك استشهاد لقول جان جاك روسو وآخر لنجيب محفوظ  ص 7 ، وجميعها تقود الى مصدر الوفاء والنقاء والعطاء التي تتمتع بها الام ، بينما تختلف النظرة عند الراوي ( سالم باقي يحيى ) حيث اتسمت علاقته مع أمه بالعقوق والغدر ونكران جميلها وحرصها عليه بفعل تأثير زوجته ، ومن هذه العتبة نشأ الصراع وتوسع مداه بعد موت الام واكتشاف ( سالم باقي يحيى ) لخطورة اللعبة التي كانت زوجته تمارسها معه ، وحالة الغفلة التي اوقعته تحت تأثيرها .
لقد انتقت الروائية بلقيس لروايتها بطلا يحمل فعلا ( تهويليا ) قوامه عدوانية رافقته منذ طفولته بسبب عاهة الخرس التي اصابته منذ خروجه الى الدنيا وتأثير هذه العدوانية التي رافقتها نرجسية مكشوفة على امتداد أحداث وفصول الرواية : ( لكن عندما ترمى الكرة بعيدا ، أركض كالسهم لها التقطها وأدخل بيتنا لأمزقها بسكين المطبخ ) ص13 ( هكذا أنا منذ الطفولة أفكر بالخلاص من الناس لارتاح منهم ) ص16 . ( صوت الحجارة التي تلقيتها في طفولتي لم تتوقف عن الدوي في أذني وتدفعني الى المزيد من الشر ) ص31 .
هذه العدوانية نراها في الكثير من الجمل والاحداث ترافقها حالات أخرى ( سيمانتيكية ) يمكن معرفتها بوضوح من خلال دوران ( سالم باقي يحيى ) في فلك الاحداث ، ومعرفة النزعة الداخلية للبطل والتي تستند على ( عدوانية بسبب طفولته واصابته بالخرس ، رغبة مقموعة يحاول التخلص منها ، نرجسية عالية رغم كل حالات الخيبة والاحباط ) . ( أنا لم أكتب هذا بمذكراتي اعترافا كالمجرمين ، أبدا ، انما هو تفوقي عليكم.. .. ) ص32 . ( نعم كنت أذكى من الجميع وما زلت ) ص 33 . ( حلمت أن أكون ذا شأن وشهرة ) ص11 .
هذا الشعور الطافح بالتمزق يرافقه شعور آخر قائم على التقريد والندم وجلد الذات في جولاته عن البحث عن ابنته ( التي أضاعتني وأضعتها وكما أضعت أمي من قبل ) ص 63 . ( طردت امي التي ليس لها أحد في العالم سواي ) ص49 . ( أعترف انني كنت نذلا وحقيرا فقد قتلت أمي قهرا ) ص41 .
هذا الخطاب وضعنا أمام روائية متنوعة في اسلوبها وقدرتها على البناء ، تحيك حبكة روايتها بعيدا عن أشكال الرخاوة والترهل ، وزرعت خطافات التشويق على جسد الرواية ، واستخدامها للموروث الذي أرادت له الخروج من تسلسله الزمني مما خلق رغبة اضافية في المتابعة وصولا الى الخاتمة ، فقد انبثق الموروث ضمن الخطاب في البداية . ( كان ياما كان وسالف العصر والاوان ) ص66 وبدأت حكاية علي صديق ابن الملك ، بعدها انقطع زمن المتابعة ليعود لنا في الصفحة 77 : ( ومنذ ذلك اليوم ، أصبح لعلي أعداء كثر في القصر والمدينة ) ويختفي زمن الحكاية من جديد ليعود الينا في الصفحة 91 ( في كل يوم وفي كل وقت قبل زفاف الامير ) وينقطع بعدها الخيط الزمني ليظهر لنا فجأة في الصفحة 149 : ( فبعد حيرة الشاب علي وحزنه صمم انقاذ صديقه الامير ) .
في الرواية الكثير من حالات التعالق والتقاطب والتجاور ، وفي الرواية الكثير من الانساق المضمرة تحتاج الى دراسة سنقوم بها مستقبلا ان شاء الله .