نافذة

حوار جريدة المواطن Print

حوار مع الشاعرة بلقيس حميد حسن

أجرته : فاتن الجابري

*اجمل المخلوقات رجل .... مالذي ارادت قوله الشاعرة من خلال عنوان الديوان ؟

العنوان أجمل المخلوقات رجل , وأقصد رجلا واحدا دون سواه من الرجال,  وهو الذي أعنيه, فبلحظات الحب يصبح الحبيب أجمل مافي الكون , لهذا أسميت العنوان بالتماعة تلك اللحظة التي لا تفسر أو انها لا تمتلك الاجابة على مايقال اثنائها..وقد أثار العنوان البعض سلبا لأنهم فسروه على أن أي رجل هو الأجمل , لكنني لم أقل أجمل المخلوقات الرجل, والالتباس هو من عدم التدقيق في اللغة من قبل الناس.

*موهبتك الشعرية نمت منذ طفولتك ... مامدى تأثير البيئة على نمو المواهب وتشذيبها وابرازها ؟

الأدب اغلبهُ ذاكرة, والذاكرة تتكون غالبا منذ الطفولة فالانسان بطفولته يختزن اسرع واكثر من اي عمر آخر , فحينما ينمو في جو يردد الشعر ليل نهار ويحفظه كل يوم , لابد وان تتشكل عنده ذائقة تختلف عمن يستمع يوميا مثلا الى اسعار البورصة والبضائع, فالبيئة هي التي تحدد ذاكرة المرء مستقبلا وموهبته,اما ان يكون شاعرا واديبا او تاجرا , او يكون صانعا ماهرا , لذا غالبا مانرى وعبر الاجيال ان الابناء تشبه الاباء والبنات تشبه امهاتهن في كثير من الصفات , وهذا الحكم طبعا ليس مطلقا لكن تأثير البيئة لايمكن ان نخرجه عن مدى موهبة الشاعر او سواها..فانا مثلا لايمكن ان انسى فضل محيطي على نشأتي الشعرية حيث كان والدي عبد الحميد السنيد شاعرا وكانت أمي عاشقة للشعر وحافظة له وخالي "حسون البحراني" شاعرا كذلك جدي لأبي وجدتي لأمي  وعماتي يقرضن الشعر ويحفظنه فكنت أينما التفت أجدُ دوحة من الشعر تنتصب أمامي. وهذا ليس كل شيء فهناك الكثير من ابناء الشعراء لايفقهون من الشعر شيئا؟, لكن أبي قد أهتم بأمر تعليمنا القوافي وبحور الشعر وحفظنا بحور الشعر بطريقة غنائية رسخت بأذهاننا وحفرت بذاكرتنا حتى شكلت لنا أذنا موسيقية, واعتقد لا يمكن أن يكون إنسانا والده مثل والدي إلا أن يكون شاعرا, فهو انسان يستغرقه الشعر ليلا ونهارا, حافظا له بشكل مذهل, وكان موسوعيا , عاشقا للجمال, للخير والحياة, حتى كانت كل ليلة من ليالينا أمسية شعرية, نتطارح بها الشعر ونتسابق في نظم الأبيات, إذ كان والدي ينظم لنا صدرا من بيت شعر وأنا وأخوتي كل واحد يكمل البيت بعجزٍ من نظمه , وأحسننا بيتاً هو الفائز بجائزة اليوم ,التي غالبا ما تكون حلويات وأشياء مما يغري صغار السن , كان بيتنا مليئا بالشعر والحياة, صاخبا بالفن , جميعنا يحفظ الأغاني وجميعنا يكتب الشعر وجميعا ينصت لأبي ويلتقط منه الكلمات ليخبئها بأعز مكان من قلبه وذاكرته. لهذا فالبيئة أمر لا يـُنكر اثره على أي أديب, ومنه يستقي الكثير ليكتب عنه فكم من سيرة ذاتية رائعة كان كل مافيها  طفولة الكاتب ونشأته الأولى وذكرياته حيث تتكون شخصية الانسان ومستقبله عموما.

*الاديبة العراقية هل اخذت  مكانها الحقيقي على الساحة الثقافية أم تعتقدين أن الذكورة طاغية والعنصر النسوي مكملا جماليا ؟

هذا سؤال يؤلمني كثيرا , ولن أجيب عليه بأكثر ماقلت في مقالة اخيرة حول علل ثقافتنا, فهناك مثلا علة من أكبر العلل في مجتمعنا الذكوري,وهي انك قد تجد ان شويعرة شابة ابتدأت تكتب جملاً وهي لا تعرف الفاعل من المفعول به ولا تعرف أبسط بديهيات فن الشعر, وإذ بكاتب معروف يكتب عنها ويطنب حتى يجعلها معجزة الزمن الراهن, ثم نعرف بعد البحث ان لها علاقة سريـّة به توجها بهذه المقالة مهرا لها, بينما هناك من يجلس يتحدث عن شاعرة لها تاريخ في الشعر والعطاء, ليقول ان شعرها ليس شعرا دونما يعلل لماذا, فقط لأنها لم تهتم لفحولته المندلقة عليها. والمؤلم أكثر أن هناك من يأتي ليقول أن النص هو الفيصل في الاحتفاء بأديب دون سواه, وكأننا نعيش بمجتمع غير مجتمعنا الظالم في كل شيء. ولو كانت الحقيقة هكذا والنص هو الفيصل فعلا , لكنا أحسن مجتمعات العالم عدلا وتطوراً ووعياً ومساواة, فهل نحن كذلك حقا؟
أين هو الفيصل الحق في مجتمع يجعل الذكورة فضلا والأنوثة عورة؟ ويتعامل مع هذا المبدأ في كل مفاصل الحياة ..

العنصر النسوي في كل مجالات حياة مجتمعنا لازال مكملا , حتى وان سنت قوانين لذلك كالكوتا في البرلمان والتي هي مجرد ديكور أغلبه من نساء لايؤمن أصلا بأهمية دور المرأة وضرورة مساواتها مع الرجل لبناء مجتمع العدالة والتطور الحقيقي.

*لاتؤمنين بمصطلحات من قبيل الادب النسوي أو أدباء الخارج وادباء الداخل .. رغم  تداولها من قبل الاوساط الثقافية ماتعليقك ؟

اعتقد ان الأدب لم يكن يوما ما وفي كل العصور الماضية يعرف هذه التفرقة بين المرأة والرجل او وجود الانسان في بلده او عدمه, وان مايشاع اليوم متأتٍ من تراجع في الوعي والثقافة كما في مجالات الحياة الاخرى التي تفرز مصطلحات جديدة وأحقاد جديدة , وان التفرقة بين أدباء الداخل والخارج لا تختلف عن الطائفية التي تضرب بمجتمعنا وتهدم مابنته الأجيال التي سبقتنا بالمحبة بين الناس, لكل مكان أو محيط ابداع ينبع من جمالياته,  ولكل مبدع اسلوبه اينما يكون, والإبداع عندي هو بحث دائم عن الجمال, وانني ارى ضرورة الاهتمام بأدباء الخارج لان تجربتهم مختلفة تماما عن تجربة الداخل وكثيرا مانجد به حنينا  للوطن لايعرفه سوى المغترب وهذا الحنين يعمق عند القاريء حب الوطن,  ولهذا كنا ندرس في المدارس أدب المهجر.

ولن انسى  حينما كنت أقرأ قصبدة غريب للشاعر اللبناني رشيد سليم الخوري" الشاعر القروي" ومطلعها:

حتاما أبقى غريب مالي وطن

يا يوم وصل الحبيب انت الزمن

الى ان يقول

ياحسنُ يومٍ تعود فيه السفن

نشمُ قبل الغروب ريح الوطن..

أما بخصوص الأدب النسوي,  فبرغم ان واقع المرأة مختلف بكل معاناتها وهمومها واختلاف جسدها وردود افعالها عن الرجل,  وبالرغم من مرارة واقعها في مجتمع ذكوري, وبالرغم من ان هذا الواقع يفرز أدبا لا يشبه ماللرجل, لكن هذا لا يدعو الى فصل أدب المرأة عن أدب الرجل, إذ أن هناك فئات كبيرة في المجتمع تختلف بواقعها وعيشها وهمومها عن سواها, لكننا لم نفصل ادبهم عن سواه, فهل قلنا مثلا أدب الفقراء,  أو أدب الأغنياء أو أدب الفلاحين, أو أدب الموظفين؟

إن  الشعور الانساني الذي يملكه كل البشر على السواء, واسئلتهم الأزلية عن سر ّ الوجود هو أساس الأدب, وهذا امرٌ مشترك بين البشر على اختلاف ظروفهم  ..

*لو نلقي نظرة على واقع المرأة العراقية اليوم ، أين هي من حريتها وحقوقها بظل نظام الكوتا النسائية ؟

ربما سبقتكِ باجابتي بالسؤال الاول حول أن الكوتا سلبت من محتواها عن طريق عدم إيمان غالبية عضواتها بالمساواة مع الرجل , وعدم رغبتهن بتشريع قوانين تحدد حقوق المرأة التي أقرتها القوانين الدولية والإعلان العالمي لحقوق الانسان, لهذا لم نلمس لنساء الكوتا البرلمانيات  دورا كبيرا في تغيير واقع المرأة مع الأسف عدا قلة منهن لايمكن لأصواتهن القليلة ان تؤثر على قرارات البرلمان, ومن المؤسف اننا قبل أعوام رأينا برلمانيات يتضاهرن ضد حقوق المرأة وضد قانون الاحوال الشخصية الذي هو أساسا يحتاج لتطويره لصالح المرأة.

*الوطن في قصائد بلقيس حميد حسن .. وكيف رأته بعد غربة أعوام طويلة؟

حينما زرت الوطن بعد ثلاثين عاما من الغربة, أحبطتُ أيما إحباط  للخراب الحاصل في الوطن بعد أزمان الحروب والحصار وكل ماخلفته حقبة البعث من دمار هائل تبعه دمار آخر في زمن الارهاب والتعصب والطائفية التي شاعت بين ابناء البلد الواحد , فتصارعت في روحي الذكرى مع واقع الحال , بكيت كثيرا, واختلطت مشاعري بين الفرح والألم . وكتبت عن هذا في مقال طويل بعنوان " عذرا لقسوة الحقيقة, سفرتي الى الوطن " ويستطيع من يريد ان يقرأها أن يجدها في النت, وفي موقعي.

كتبت كل صدمتي وبكائي حينما رأيت أن عراقي, أو بيت أهلي, الذي جننت بحبه وقلت عنه في ديواني الأول " اغتراب الطائر"  :

يا بيت أهلي في العراق

ورفيف أجنحة الحمام على الفرات

يا فراشات السواقي

يا  فسائل

يا نخيل

يا كلّ أعمار الكبار

توقفي

يا ضجّة الأطفال في الحي الفقير

توقفي حتى نعود

ونزيل أوجاع الرحيل

فالعمر قد قال التحية َ

واستدارَ إلى الغروب

خلف الحدود

فمتى نشمّ شذا الرجاء

ظمأ الرجاء

بَعُدَ الرجاء

فيا سنين توقفي حتى نعود

يا سنين توقفي حتى نعود.

تلك الصورة التي حفرت بذاكرتي وروحي, رأيتها تهتز وتتفجر في قلبي شظايا فأشعر بموت غريب أبشع من كل موت رأيته في الحروب بلبنان من حرب أهلية الى حرب مع إسرائيل, موت خاص يجتاح كل كياني ويهزه ويشيع به صورة الخراب بأبشع ماتكون نتائجه, لكن الذي صبرني وأعاد لي الحياة من جديد هو طيبة الناس وأرواحهم وتسابقهم للحفاوة والإهتمام بي واحتضاني في قلوبهم رغم كل جروحاتهم.

*ماذا منحتك الغربة ،وماذا أخذت منك ؟

الغربة سجن كبير, بارد جدا, تشعر معه أنك ستبقى بردانا رغم كل اشكال التدفئة واحتيالات العلم على الطبيعة والانتصار عليها. سجن مفتوحة نوافذه, يدخله الهواء النقي من كل جوانبه, فيه زهور ومطاعم جيدة, وفيه أسواق وشوارع نظيفه, لكنه مهما تغيرت ظروفه يبقى هو هو سجن بلا سجان. الغربة لغة غير التي تعشقها, وأناس لا يشتركون معك في الذكريات والهموم رغم لطفهم. وتبرز الغربة بأقصاها في المحن التي مرّ ويمر بها الوطن, حينما تبكي عراقك وهو يقصف في الحرب بكل أنواع الموت, وحينما تحتار كيف تـُفهم الناس أنك رغم كونك ضحية  نظام دكتاتوري مرعب, إلا أنه وطنك, وحبيبك الذي يقصف ويموت أهله. تخرج الى الشارع تتمنى لو تصرخ ويبكي معك الناس, لكنك تجد أن الناس تسير بالشوارع هادئة لاعليها بمشاعرك بل تجهلها تماما. تتقدم نحو مركز المدينة تجد أن الناس ترقص, وتغني, وتثمل, وتقبل بعضها فرحاً بالحياة وأنت تحصي قتلاك ودماراتك بعيدا عنهم وتبكي.

أتذكر في الحرب على العراق عام 2003,  كنت عندما أذهب لعملي في المكتبة, أجد أن أحاديثهم عادية تدور حول حياتهم الخاصة وعن عشاءات أيام العطلة الاسبوعية, وهي أحاديث كل من له وطن مستقر يسعده, فأحترق بداخلي وأشعر بأبشع ماتكون الغربة, لكنهم يلتفتون لي كمن تذكر أن حربا سمعها عن العراق في الراديو أو شاهدها في التلفزيون فيسألونني:

ماهي أخبار العراق؟

مباشرة أبكي, ولا أجد كلمة تتناسب مع مابي من قهر وأنا أرى وطني يدك دكاً ويسحق كل متحرك فيه, حتى أن المدير طلب مني أن آخذ اسبوعين إجازة لأنني لا أستطيع بهذه الحالة أن أعمل كما يجب, ورغم انهم كانوا رائعين معي وأرسلوا لي باقات الورود وبطاقات المواساة في حرب رأوا بشاعتها على الشاشات, وهذا فضل منهم, جعلني ممتنة لهم, لكنني غريبة عنهم مهما اقتربوا ومهما قدموا لي , فجسدي فقط يعيش معهم مهما حاولت, وروحي هناك, في العراق حبيبي, وقد سبقَ السيف العذل.

كان كل هذا يدفعني لأن أكتب بلغتي, وكنت أتحدى الغربة حتى تميزت صرخاتي وترجم ديواني الى اللغة الهولندية كأول ديوان شعر لشاعرة عربية وصدر بلغتين , وكنت أقرأ اشعاري أمام الهولنديين بلغتي العربية وكانت تعجبهم كثيرا, ولم أقرأ يوما بلغة سواها, لأنهم يطلبون مني ذلك دوما, فكنت أشعر أنني أستطعت بأشعاري أن أوصل صوت العراق اليهم والى العالم حيث اختارتني منظمة العفو الدولية من ضمن 150 شاعرة كأهم شاعرات العالم في طرح القضايا الانسانية والوقوف مع الشعوب المضطهدة وتوضيح العلاقة الملتبسة بين المرأة والرجل وكنت مع الشاعرات نازك الملائكة,فدوى طوقان, سعاد الصباح , ظبية خميس, اللواتي اخترن من العالم العربي, وذلك في كتاب بعنوان "أفضل للحب أن لا يسمى" صدر أولا باللغة الهولندية عام 2000 , وهذا ما أخذتهُ من الغربة ..

ولكن الغربة أخذت مني الكثير الذي لا يمكنني استعادته, فقدت أغلب أهلي وأحبتي أما شهداء أو موتى دونما أراهم.

إن أكثر وجعا من كل هذا هو أنني تشظيت روحيا, فماعدت أجد مستقرا في كل مكان, وأينما أذهب,  حتى إن عدت للوطن, فقد عشت بالخارج اكثر بكثير مما عشت بالعراق, وقد أكملت البكالوريا والجامعة في سوريا, وقد أحببت الأوطان التي احتضنتني, وهذا ربما يعتبره البعض إشراكا بالوطن, فقد أحببت لبنان وسوريا أيما حب, واحببت هولندا أيضا رغم إحساس الغربة الذي ماعرفته في بلد عربي, فأنا انسانة لا أستطيع ان أنكر الأرض التي أعيش بها وأتنفس هواءها وأشرب ماءها, فأحب شوارعها وشجيراتها وأناسها, وهذه هموم أخرى أضيفت لي فهموم لبنان وسوريا تؤلمني وتبكيني أيضا بأكثر من مجرد تضامن , لأن لي هناك ذكريات وعمرٌ وأحبابٌ وامتنانٌ لوطنٍ آخر..

*بعض المتشائمين يزعمون انه ليس هناك شاعرات عراقيات بحجم نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة .. بماذا تردين على هذه المزاعم ؟

لكل مرحلة شاعراتها, وكل زمن همومه وظروفه التي تفرز ماهو مختلف عما سبقه. ولماذا يتحدثون عن الشاعرات دون الشعراء؟, حتى الشعراء هم لا يشبهون من كان قبلهم فهل من يشبه الجواهري اليوم مثلا؟ وهل نستسيغ اليوم شعرا يمجد السيف والخيل والفخر كما المتنبي ؟ اذن لكل زمن ابداعه المختلف عن سابقه خصوصا أننا في زمن يتسارع بالابتكار وتغيير ظروف الحياة, ومهما ابتعد الشاعر بخياله يبقى هناك خيط يشده بالواقع ليستمد منه افكاره ومشاعره المختلفة عمن سبقه من شعراء..

استطاع ادباء المهجر تأسيس حركة ثقافية لافتة بأقامة المهرجانات والملتقيات الثقافية والادبية في مختلف دول المنفى ، هل هذا يعني أن الحركة الأدبية في طريقها لتأسيس أدب الاغتراب ؟

ان أدب الإغتراب موجود منذ أن خرج أول مبدع من العراق, ونشر في الخارج, وكانوا كثر هم الشعراء الذين خرجوا بعد عام 1963 حيث حمام الدم الذي قاده الانقلابيون في 8 شباط وقتلوا وأعدموا آلاف من الوطنيين, أصحاب الفكر اليساري او الديمقراطي الحر, وكانت نسبة كبيرة منهم من المبدعين, وإن احتجنا الى توثيق رسمي نعود الى أول المنشورات من القصائد وبقية أنواع الابداع والكتب التي صدرت خارج الوطن من المعارضين, وربما كانت ايضا مجلة "الإغتراب الأدبي"  التي أصدرها الشاعر صلاح نيازي والكاتبة سميرة المانع في لندن, وثيقة هامة تؤرخ أدب المهجر ولو بشكل أولي, أما المنتديات فهي لاعلاقة لها بتأسيس أدب الإغتراب المؤسس أصلا على يد المبدعين, إنما المنتديات تنظم نشاطات هؤلاء رغم أنها تنجح أحيانا وتخفق احيانا أخرى بالاهتمام بخريطة أدباء المهجر بشكلها الواسع فيهمش بعض المبدعين هنا وهناك, حيث تعتمد المنتديات غالبا على العلاقات الخاصة ومايتعرف عليه أعضاء الهيئات واللجان الادارية في النوادي من المبدعين, وهم لايعرفوهم جميعا طبعا حيث ينتشرون على كبر خارطة العالم المترامي الاطراف..

*القصيدة الشعرية فضاء حرية الشاعر .. بعض الشاعرات حولن هذا الفضاءالى سرير نوم يمارسن فوقه شهواتهن بطريقة تثير الغرائز الجنسية  يطلقن على انفسهن شاعرات الايروسية ،ماهو رأيك بمثل هذا النمط من الكتابة ؟

أرى ان هناك عدم فهم لمبدأ الايروتيكا في الأدب والابداع عموما, حيث أن مجتمعاتنا أضفت عليها فكرة العهر, بينما هي أدب سامي, وأنا رغم أنني كنت ضد الأيروتيكا شخصيا, تغيرت نظرتي لها الان حيث وجدتُ أن الانسان - امرأة كانت أم رجلاً- إن لم يطلق عنان روحه, وجسده من قيود التربية الدينية, والعشاثرية, والبدوية الضيقة فسوف يكون هناك  خلل  في شخصيته, من هنا صرنا نعاني من قلق وازدواجية الشخصية العربية, فهي شخصية مترددة, ضعيفة, لا تستطيع اتخاذ قرارها بثقة,  فالكبت الروحي والجسدي, يجعل المرء لا يستطيع التعبير عن ذاته وجسده بجرأة وحرية وصراحة, ومن يخشى التعبير عن ذاته كما تربت أجيالنا منذ قرون لا تنجح قضاياه غالبا, حيث تتحكم به انفعالات واوهام غير قائمة على أساس الثقة بالنفس, ويبقى يدور في صلب ذاتٍ قلقة في كل شيء وجسد سجين الأحلام. ومشكلتنا ليست وليدة اليوم إنما جاءت منذ بدء الأديان والمعتقدات, والتقاليد الخاطئة والمكبلة لطاقات الإنسان, فنراه غالبا متلقيا لا مبدعا أو مخترعا, ونراه خائفاً لا ثابتاً, ونراه مجحفاً او مبالغاً ولا موضوعياً, وإن أفضل فترة مر بها العرب والمسلمون والتي سميت العصر الذهبي والتي برز بها علماء الفلك والفيزياء والجبر والطب وغيرهم والتي دامت 300 عاما تقريبا, منذ عام 850 ميلادي حتى 1150, كانت الأيروتيكا سمة واضحة لأدب ذاك العصر ويستطيع أي قاريء للتراث أن يجد الفرق ويعرف أن حرية الجسد والروح هي حرية للعقل وهي إطلاق للطاقات البشرية وهذا مايفعله الغرب الان ويبتكر كل يوم علماً جديداً, بينما نكبل نحن كل يوم مجتمعاتنا بفتاو شيوخ الدين ورجاله السلفيين والمحدودي النظرة .

*عملت كناشطة في منظمات انسانية عديدة ماتقييمك لعمل منظمات المجتمع المدني هل استطاعت فعلا ان تؤسس لعمل يحمي المرأة والطفل والشرائح المستضعفة الاخرى  أما انها واجهات دعائية وبرستيج لاصحابها ؟

لا استطيع أن أكون متفائلة جدا في عمل منظمات المجتمع المدني الان في العراق , لأن الفساد طالها أيضا مع الأسف, وقد استغلها بعض المنتفعين والذين لايختلفون عن فساد بعض أصحاب العمائم والسبح والمقنعين بالدين, فلكلٍ شكل قناع يوهم به الناس ليحصد مصالح شخصية, لكنني لن أعمم ذلك على الجميع فهناك أناس أصحاب ضمائر يعملون ببعض منظمات المجتمع المدني  ويؤلمهم وضع شرائح المجتمع المعذبة من أيتام وأرامل ومقهورين وفقراء ومهجرين, بعد أن كسر مجتمعنا الرقم القياسي بكثرة الفئات المقهورة, نتيجة مامر بالوطن من مصائب وحكومات لعبت بمقدرات العراقي ولا زالت تلعب به وما سوء الخدمات وفقدان الأمن بعد تسعة أعوام من إسقاط الدكتاتور إلا دليل واضح على قولي..

بلقيس حميد حسن

5-11-2012