نافذة

الفنان منذر حلمي, خفيف الظل حتى برحيله Print

       الفنان منذر حلمي, خفيف الظل حتى برحيله          

               بلقيس حميد حسن

ماكنت اتمنى ان أعيش لأرثي العزيز "ابو سلام", الممثل المبدع والمخرج المسرحي, الفنان الحقيقي, الانسان الوطني, النقي الهاديء والمعطاء, المثقف الكبير في كل شيء, فهو الدافيء, خفيف الظل, صاحب الذوق الرفيع, النبيل في مشاعره ازاء الاخرين, الأنيق في مظهره وروحه, كان يؤمن حقا بأن الفن رسالة فكان مثالا راقيا للفنان بأخلاقه. لم يلوث قلبه النقي بعداء لأحد مهما كان ذلك الأحد مؤذيا ومزعجا له. كانت المحبة وابتسامته المشرقة والسمحة على محياه هي الرد غالبا على أي إشكال أونقاش أواختلاف بالرأي, فلا يملك الأخر أمامه سوى أن يحترمه ويجلـّه.. ومن يقترب من روحه سيكتشف ذلك العالم الجميل المليء بالوطن والنخيل والورود المزهرة, روحه التي ماكلـّت عن عشق الحياة والجمال, مؤكدا من خلال ذلك ان الفن محبة لكل ماهو جميل..
ايها العزيز ابو سلام
البارحة رأيتك في الحلم وكنت تتحدث معي بأحاديث طيبة كما أنت, فاستغربت, وقلت في نفسي: ذلك يعني ان خبر رحيلك كاذب..
هل يرفض عقلي الباطن هذا الخبر لأراك تتحدث بحميميتك المعهودة, واحسك أبا وأخا وصديقا يندر مثيله في عالم الزيف والصغائر..
لماذا غادرتنا سريعا يا أبا سلام, لتتركنا لعالم متناحر مرعب, غير معروف اذ لا يجيب على تساؤلاتنا, فنغرق في عالم الخيال والتمني الذي لا يأتي..
هل تعجـّلت الرحيل اذ جزعت مما تراه في هذه الدنيا من تناقض وصراعات؟
في اخر مكالمة لي معك قبل اكثر من شهر, تناقشنا في الوضع العراقي, وكنا نعجب مما وصل اليه الوضع, ونعجب من وقاحة بعض السياسيين الذين تمتليء شاشات التلفزيونات بوجوههم.
كنت بعد ان اكالمك احيانا اتعذب, اذ افتح معك حوارا سياسيا بدون قصد فأجده مؤلما لك, فأقول سأتجنب الاحاديث المزعجة معه خوفا على صحته, لهذا باعدت تلفوناتي وصرت أرسل رساله الكترونية سريعة لأطمئن عليك..
البارحة قرأت رسائلك في بريدي الالكتروني من جهات الاتصال, هل علي ان اتوقف عن ارسال رسائلي ومقالاتي اليك واستقبل كلماتك التي تشجعني بالاستمرار بالكتابة وعدم التوقف مهما كان؟
اين يذهب بريدك وكيف اتعامل مع هذا الواقع الجديد؟
آه يا ابا سلام من فقدانك.
عرفتك ايها الكبير منذر حلمي, واحة نخيل عراقي زاخر بالأحلام الوطنية الصادقة للشعب والفقراء والطيبين. عرفتك كمعارض لكل أشكال الظلم في العالم, ومعارض لنظام البعث الدموي بداية الثمانينات في بيروت, بيروت الغربية, والتي كانت لنا الملجأ الوحيد الذي استطاع ان يستوعب احلامنا الشابة وطموحاتنا الانسانية الأممية, بيروت المقاومة الفلسطينية, والأحزاب الوطنية اللبنانية التي عايشناها ردحا من الزمن. كنت الفنان الناجح والطموح الذي لم يتخل عن فنه في اصعب الظروف, فقدمت اعمالا خالدة خارج الوطن كما في داخله, وكنت تنثر بابتسامتك الشهيرة طيبة ونقاءً على من يراك. فنانا متمكنا, قليل الحديث عما في عقله النيـّر من الافكار والابداع ومافي قلبه من المحبة والنبل.
ماذا اقول ياعزيزنا ابا سلام, صعب ان أرثيك, أو أعزي نفسي وأعزي عائلتك بك. كيف يا أبا سلام ترحل سريعا بغفلة من الزمن. فلقد التقينا نهاية آب هذا العام في مهرجان الثقافة الذي يقيمه نادي الرافدين الثقافي في برلين, كنت كما عرفتك أنيقا مشرقا رغم المرض الذي تحاول التغلب عليه بالمرح والاحاديث العذبة, حتى ليطمئن المرء, معتقدا ان مابك مرضا عابرا وليس عضالا ينحت جسدك المرهف بصمت..
وداعا أيها الفنان والانسان الكبير
نم قرير العين يا ابا سلام. فأنت الأسعد فينا والأرقى اذ غادرتنا الى عالم هو الأرحب, والأرحم والأكثر صدقا..
28-11-2010
www.balkishassan.com