نافذة

الطفولة , الحب , الشعر والبوح الجريء.. Print

الطفولة , الحب , الشعر والبوح الجريء..

 

حاورها: عبد الحق بن رحمون .. تطوان _ المغرب

 

في لقاء شعري جميل ، نظمه اتحاد كتاب المغرب فرع تطوان ، يوم الأحد 20 تموز( يوليوز) 2003 ، بمقهى ملحق بالمتحف الاثنوغرافي ، كانت هذه أول مرة يلتقي فيها جمهور الشعر من أدباء ومثقفين وصحفيين بمقهى لتنظيم لقاء أدبي مثل هذا ، الذي استضاف الشاعرة العراقية المقيمة في هولندا بلقيس حميد حسن . قام بتسيير اللقاء الشاعرة المغربية إيمان الخطابي، وإلى جانبها الشاعرة المغربية والمناضلة الحقوقية حكيمة الشاوي . في البداية قالت ضيفة المغرب الشاعرة بلقيس بأنها سعيدة لوجودها في المغرب رغم جبال الحزن ودبابات جنون الاحتلال ، لأنها في المغرب تقول "أمام أناس يشعرون من أكون وأحس أنني في بلدي " ، ومناسبة تواجد بلقيس بالمغرب ، حيث سبق لها أن شاركت في ندوة الرواية النسائية ، التي نظمت بمدينة أسفي ( جنوب المغرب ) وقبل أن تأتي إلى المغرب دعيت إلى عدد من الأمسيات الشعرية في أوروبا لكنها اعتبرت أن مشاركة واحدة في المغرب تساوي ألف أمسية في أوروبا .

في هذه المقهى المتسعة في فضاء أثري ، ديكورها تؤثته العمارة الاسلامية ، و تتواجد بها حديقة من أشجار البرتقال والتين وتتوسطها نافورة مزينة بفسيفساء مغربي أصيل، مما أضاف للانصات للشعر بهاء ورونقا بخلاف تلك الأمسيات الشعرية التي تعودنا على حضورها في قاعات تكاد تكون مقرفة ومبعثة على الملل ، لذلك المنظمون لهذا اللقاء أحسنوا اختيار الفضاء الشعري . خاصة وأن المقهى يرتاده عدد من الرواد ، ففي هذا الصدد شاهدنا بعضهم وهو جالس في مكان قصي من المقهى وهو يتابع الانصات للشعر وهو يحتسي كأس القهوة أو الشاي ، إنها تجربة نوعية في مشهدنا الثقافي لتأسيس هذا الوجدان الأدبي وخلق جمهور ذواق للشعر .

في البداية ستتحدث الشاعرة بلقيس حميد حسن عن طفولتها الشعرية لما كانت أسرتها تجتمع في المساء حول المدفئة أيام الشتاء، ويستمعون لشعر والدها ، الذي كان يقرض الشعر . لذا فالشاعرة هنا سترضع الشعر منذ طفولتها ، لأن هذه عادت ترسخت في أسرتها مع تناول الطعام، ومع التربية وفي كل وقت ، حيث كان التباري بين إخوتها لما يدخل والدها إلى المنزل ويقول لهم لمن هذا البيت الشعري ؟ وعليهم أنذاك أن يبحثوا عن قائل هذه القصيدة . لأن الهدف من ذلك أن والدهم كان يريد : "أن نحفظ الشعر وتكون لنا ذاكرة شعرية ، إذن كانت الأجواء الشعرية هي التي تطغى علينا . كان أبي لما يكتب القصيدة يبقى ينتقل من غرفة إلى أخرى وهو يردد القصيدة فنحفظها معه " .

وبخصوص بحور الشعر تصف الشاعرة بلقيس كيف حفظتها ، حيث كان ذلك عن طريق الموسيقى ، وبهذه الطريقة تمرست هي وإخوتها على ضبط أوزان الشعر وصارت لهم أوزان موسيقية .

وبعد هذه الشهادة ( طفولة الشعر ) ، ستقرأ لنا الشاعرة بلقيس عددا من قصائدها المتنوعة معتبرة أن الحب وطن والوطن حب ، فمن العناوين التي قرأتها " مليك الكلام " التي كانت ردا على إحدى قصائد نزار قباني . وقصيدة " رجل من عسل ". وقصيدة "إليكم أهلي " وختمت بقصيدة ترثي فيها شقيقها الشهيد حيدر الذي استشهد في العام 1991 . الملاحظ في هذه القراءة أن الشاعرة تحفظ قصائدها عن ظهر قلب وقد تجاوب معها الجمهور المغربي والذي صفق لها بحرارة ، وإعجاب شديد .

وبعد ذلك سيفتح باب النقاش والحوار مع الشاعرة بلقيس حيث طرحت عليها( الزمان ) ثلاث أسئلة :

 جاء في تقديم الشاعرة إيمان الخطابي موجز عن سيرتك الأدبية بأنك انتهيت مؤخرا من كتابة رواية ...، هل يعني هذا أن المرأة العربية قدرها دائما أن تؤدي دور شهرزاد ؟ وهل في الرواية يستطيع الكاتب أن يقول ما لايستطيع أن قوله في الشعر ؟

**فأجابت : " أقصد أنني نسيت الشعر وأنا اكتب الرواية ، هناك أشياء يريد الانسان أن يبوح بها بالرواية أو بعوالم أخرى . لا يستطيع الشعر أن يقولها ، حقيقة لكل فن ميزاته وسماته، وللرواية ميزاتها الخاصة ، وللشعر أيضا ، الرواية تحكي عوالم كثيرة ، وتحكي حقائق كثيرة ، قد يكون الشعر ينشط بالخيال كثيرا ولا بمسؤولية أحيانا . عندما يتحدث الانسان عن حب وعن خيال وعن وهم لكن الرواية لديها مسؤولية لدى الجماهير . كاتب الرواية هو يتحمل مسؤولية الأحداث التي تدور بداخل الرواية، يعني هناك نقاد وبشر موجودون لهذه الرواية فيحاسب الكاتب أمام ضميره وأمام التعبير ، أما الشاعر... صحيح أن هناك نقد للشعر، لكن في أطر معينة، ... في أطر فنية، وفي أطر أخرى . فخيال الشاعر ليس عليه رقيب أبدا . هذا في جانب أأحب الرواية أو الشعر ؟

أن أكون "شهرزاد" ... فقد كان والدي كثير الحكايا كما قلت لكم، وترسبت بداخلي مئات الحكايا لـ : شهرزاد وسندباد ... إلخ ، كما أنني أقرأ كثيرا لكوني أعمل بمكتبة عامة في مدينة "لاهاي"، وكل الكتب العربية التي تأتي إلى هولاندا يجب أن تمر عبري ، فأقرأ كثيرا ، ومن يقرأ كثيرا يجد الرغبة أن يقول شيئا أيضا ، وهناك مثل يقول : "الكتاب يصنع كاتبا" ، فالذي يقرأ كثيرا لابد وأن يأتي يوما ويحس أن شيئا بداخله يريد أن يقوله ، بكتابة رواية ...."

* هناك حركة ثقافية نشيطة يساهم في تفعيلها كتاب عرب بهولندا، في نظرك هل هذا يعني أن الحركة الأدبية في طريقها لتأسيس أدب الاغتراب ؟

** فأجابت: "...هل نحن نؤسس للاغتراب في هولاندا... أبناء العراق أو شعب العراق، شعب غير مهاجر ، حتى في زمن الدولة العثمانية عندما كان الكثير من شعراء المهجر من مصر وسوريا ولبنان في أمريكا اللاتينية كونوا رابطة القلم ولم يكن شاعر واحد عراقي بينهم ، لأن العراقيين لم يهاجروا في تاريخ العراق القديم والحديث إلا في زمن حزب البعث ، حينما بدأ الارهاب يصل إلى حد كبيرجدا . كلنا ...أنا لو كنت أعرف أني أبقى بالعراق فقط في السجن لم أغادر العراق، لو كان هذا السجن كسجون العالم ، يعني أني سأعيش ولن أموت وأستطيع أن أعيش ، وأستطيع أن أسمع أخبار الخارج ،... لكنه الموت !!

لم يخرج أحد من السجون العراقية ...الآن بدأت المقابر العراقية تظهر... لو بقيت هناك أيضا كنت قد دوبت بالأسيد ، أو كنت في إحدى المقابر عظاما . فالهجرة الأولى للشعب العراقي هي هجرة في زمن الديكتاتور صدام . وهذه السنين الطويلة عما يقارب 24 عاما وأنا في الخارج . كنت في بيروت وحضرت الحروب ، الحرب الأهلية ، وحضرت الحرب الاسرائلية ضد شعب لبنان والشعب الفلسطيني، وفي اجتياح لبنان سنة 1982 رحلت إلى سوريا، ودرست هناك ، وعندي رحلة كبيرة طويلة عريضة ...ثم جئت إلى هولندا ، ليس مسألة أن نؤسس لكي نكون ، لأن تواجدنا هو واقع ، لأن نحن موجودين ولانستطيع الدخول إلى الوطن .الآن يعني نحن انتقلنا من ديكتاتور بشع إلى احتلال ، لكن هذا لايعني أننا لانحاول ، نحن نعمل جاهدين الآن ، فتوجهنا هو نحو الداخل، نحو العراق ، يكفينا أننا ذقنا منافي في أصقاع العالم ربع قرن . حقيقة تعبنا من الرحيل المفروض علينا قصرا ، جبرا ، لذا نحن لم نؤسس للبقاء الدائم أبدا ، بقاؤنا كان مرحلة وستننتهي، وطريقنا العودة إلى الوطن وبناء الوطن وأن يرحل الآحتلال ، ونبدأ مجتمع مدني وديمقراطي ونستفاد فيه من تجارب الشعوب الأخرى ، حتى أن قدومي إلى المغرب لكي أستفيد من تجربة الشعب المغربي في بناء ترسيخ المؤسسات المدنية والاجتماعية المفيدة ، من اتحادات وجمعيات من أطر ثقافية بالنسبة لعمل حقوق الانسان ، والمرأة ، والأدباء، والمثقفين، طبعا أنا أعود وأكرر شكري للشاعرة حكيمة الشاوي لاتحاتها الفرصة لألتقي بكم وأتعرف على تجارب الشعب المغربي لأننا مقبلون على بناء وطننا من نقطة الصفر حقيقة يعني العراق ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على إيمان الشاعرة حكيمة الشاوي الحقوقية بأهمية التضامن بين المثقفين من أبناء الدول العربية للنمو بمجتمعاتهم نحو مجتمع مدني يضمن للانسان الحرية والديمقراطية وتحقيق الحياة الكريمة ... أعتقد أني خرجت من الشعر إلى حقوق الانسان وهذه مشكلتي....ثم (تضحك) .

* السؤال الثالث : في قصيدتك الأخيرة التي قرأت ، فيها كثير من الحب والجرأة، هل يعني هذا أن المرأة العربية تبوح بدون رقيب ، أم أن ذلك الرقيب صار هو الشاعر نفسه ، مادرجة الحرية التي تحسينها وأنت تكتبين الشعر؟

** أجابت : " بالنسبة لي فأنا أعيش في هولندا ، أعيش بدون رقيب ، لأن هناك ديمقراطية ، وحرية في الأدب ، وفي الثقافة ، وفي كل شيء، لكن في مجتمعاتنا العربية طبعا هناك بعض الوجوه الظلامية تفسد على المرأة إعطاءها الدور الأساسي، ودور البناء الحقيقي إسوة بالرجل والمساهمة في بناء المجتمع المدني ، والمساهمة في الحياة السياسية للنهوض بمجتمعاتنا، لذا ربما المرأة وقسم من النساء يخشين هؤلاء القوى الظلامية التي تحاول أن تعرقل طريق مجتمعاتنا نحو التقدم وتعيدها نحو الوراء ، وحكيمة الشاوي واحدة من ضحايا هؤلاء الظلاميين الذين كفروها لقصيدة واحدة كانت تحدثت فيها عن المرأة . (أعتقد أني أجبت على ثلاث اسئلة بشكل لابأس به ).ثم (تضحك) ...."

* وبخصوص السؤال الرابع ستسأله لها إيمان الخطابي : ( لدي سؤال للشاعرة بلقيس وهو سؤال فني ... أين تضع بلقيس نفسها في خضم مايسمى بالحداثة الشعرية ومفهوم القصيدة الجديدة والملاحظ ونحن استمعنا إليها أن لها نمطا خاصا لايلتفت ربما لنمط القصيدة الحديثة بماذا ترد بلقيس ؟

أجابت : "  في مرة من المرات كان لي لقاء صحفي في جريدة تشرين السورية حول هذه القضية ،نفس السؤال طرح علي ، أنا لست ضد الحداثة وقلت أكتب الشعر الكلاسيكي والتفعيلة والحديث ، وأؤمن أن الحداثة بالفكر قد يكون هناك شعر عمودي لكن بفكر حديث وبطرح حديث ، لكن قد يكون هناك شعر حرمتخلص من الأطر الفنية الكلاسيكية الشعبية لكن لايطرح شئي مفيد ، بالنسبة للحداثة أنا ما تزال عندي موضوع نقاش هل لنا حداثة أم لا؟ ، أنا أرى أن مجتمعاتنا العربية ليس بها من الحداثة الكثير حيث لا تزال نسبة الأمية أكثر من النصف 50% إن لم تكن من بين الصفوف 70% من النساء أميات ، يعني لاشيئ من الحداثة في مجتمع أغلبه أمي ، ومادامت أغلب أدواتنا الكربائية وسياراتنا كلها مستوردة ...وحقيقة لاتزال قوانينا التي تحكم علاقاتنا الاجتماعية والأحوال الشخصية بعضها منذ ألف وخمسمائة عام، و لازلنا لانلتزم بقوانين السير حتى نستطيع أن نمر في الاشارات بشكل دقيق ومضبوط حتى نقول أننا نعيش الحداثة . أنا لاأرى شيئا في مجتمعاتنا نستطيع نسميه حديث فلا نزال ، نحن نطمح ليصبح مجتمعنا حديث ، لذا أنا أرى أن الشعر يأتي نتاج لعلاقات البشربينهم ولما موجود على الواقع ، يعني لايمكن أن نأتي بشيئ من الخارج ونقول هذا شيئ حديث في مجتمع قديم ، فمن أين تأتينا الحداثة يجب أن تكون تخرج تلقائيا أوتوماتيكيا من مجتمعاتنا ، لكنه أعتقد أنه الحداثة دخلت إلينا من خلال ترجمة نصوص شعرية من بلدان حديثة ، ومن بلدان أوروبية لما دعا إلى تقليدها من طرف بعض الشعراء، ثم أن هناك من وجد سهولة في الشعر الحديث، يعني ليس كل من كتب حديثا هو مقتدر لذا نجد الصحف والمجلات أحيانا تزخر برديئ الشعر تحت عنوان الحداثة، وهذا سبب لنا مشكلة عزوف القارئ يعني كثير من الناس لايقرأون الشعر. الشعر أصبح معقدا وغير مفهوم وغامض ، لماذا أنا أضحي بعيوني ووقتي لشيئ لا أفهمه ، حتى أنا أتذكر شعر لـ : محمود درويش يقول: " قصائدنا بلا لون بلا طعم بلا صوت إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيتي لم يفهم البسطاء معانيها فأولى أن ندريها وأن نخلد نحن للصمت ،" إذن نحن ما نكتب للآخر...ما نكتب للناس ولحياتهم ولأحاسيسهم، ما نكتب لشيئ خالد ، والأدب الخالد دائما يتناول القضايا الانسانية من صلب حياة الانسان مثل :(الحب ، الوطن ، الحرية ، العدالة ...) هذه الأشياء تخلد ويخلدها الانسان مثلا الشابي مات صغيرا وعمره 25 عاما ، وليس لديه عشرات الدواوين، لكن بيت واحد ربما هو الذي خلد الشابي : "إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلابد أن يستجيب القدر" لايوجد إنسان عربي من المحيط إلى الخليج لم يحفظ هذا البيت ، إذن قضية أن نعطي الشعرأولا نعطي، ليس بالكمية، وليس بالأطر الشعرية الفنية الكلاسيكية أو الحديثة ، روح الشعرهو مانعطيه للآخر . ماذا ينفع الشعر وماذا يتلقى المتلقي ، أنا أيضا أحمل بعض شعراء الحداثة كما قلت هذا التردي الروحي عند الناس لأن الفن والأدب هو رقي بالروح الانسانية إلى مستوى يرتقى بطموحاتها إلى مستوى أعلى ، وهذا يساعد باللاتقاء بالمجتمع ، إنما الشعر الرديئ يعني يؤدي بالروح البشرية إلى أن تكون دونية ، وهذا تردي روحي خطير على المجتمعات ، من هنا أقول أن الشعر يجب أن يكون أيضا صوت لتربية هذه المجتمعات لأننا نحن بصدد بناء مجتمعات مدنية لابد أن ننتبه لكل الأشياء، والشعر مؤثر كبير على حركة الجماهير ، وعلى تلقيهم ، وعلى فهمهم للواقع و متطلبات الواقع واستحقاقاته .

"* في اليوم الموالي من هذه الأمسية استقلت الشاعرة بلقيس الطائرة في اتجاه لاهاي بهولندا، وقد توصلت منها بهذه الرسالة الرقيقة عبرالبريد الالكتروني واستأذن الشاعرة بلقيس لنشرها نظرا للعلاقة الانسانية التي ربطتها مع المثقفين المغاربة:

"الأحبة

الأهل

الأصدقاء

سآتي لكم رغم البعاد وإنني

حدوب ُ اليكم والمحب حدوبُ

سآتي رباط النخل والتين والهوى

بباقة ورد ٍ والفؤاد يذوبُ

أحن ّ ُ اليكم كلما حام ذكركم

وكل صديق ٍ للجريح طبيبُ

 

تقبلوا تحياتي ودموعي لما وجدته من حب في قلوبكم الصادقة مع هذه الوردة

حتما سنتواصل

الأخ العزيز عبد الحق بن رحمون

اليك هذه التحية كما

أرجو منك- إن استطعت- إبلاغها الى الشاعر الكبير محمد الميموني

والأخ رضوان أعيساتن ومن خلاله الى

الأخ خالد الريسوني

إذ أنني لا املك عناوينهم الألكترونية وقد عادت الرسالة التي بعثت بها لإبنة الشاعر الميموني

مع فائق التقدير والمودة

أختكم

بلقيس حميد حسن

نشر في صحيفة الزمان العراقية ومواقع مغربية وعربية اخرى